شرح كتاب الحجّ 11: الإحرام آداب وأحكام.
تابع البـاب الرّابـع: ( الترغيب في التّواضع في الحجّ، والتبذّل ، ولبس الدّون من الثّياب، اقتداءً بالأنبياء عليهم السّلام ).
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ:
كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَمَرَرْنَا بِوَادٍ، فَقَالَ:
أَيُّ وَادٍ هَذَا ؟ قَالُوا: وَادِي الْأَزْرَقِ. قَالَ:
كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى صلّى الله عليه وسلّم - فَذَكَرَ مِنْ طُولِ شَعَرِهِ شَيْئًا لَا يَحْفَظُهُ دَاوُدُ - وَاضِعًا إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ لَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللَّهِ بِالتَّلْبِيَةِ ، مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي .
قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا، حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى ثَنِيَّةٍ، فَقَالَ:
أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ ؟ قَالُوا: ثَنِيَّةُ هَرْشَى أَوْ لَفَتٍ . قَالَ:
كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ صلّى الله عليه وسلّم عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ وَخِطَامُ نَاقَتِهِ خُلْبَةٌ ، مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي مُلَبِّيًا .
[رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، وابن خزيمة واللّفظ لهما].
ورواه الحاكم بإسناد على شرط مسلم ولفظه:
أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم أَتَى عَلَى وَادِي الأَزْرَقَ، فَقَالَ:
مَا هَذَا ؟ .
قَالُوا: وَادِي الأَزْرَقِ. فَقَالَ:
كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى عليه السّلام مُهْبِطًا لَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللهِ بِالتَّكْبِيرِ .
ثُمَّ أَتَى عَلَى ثَنِيَّةِ [هَرْشَى]، فَقَالَ:
كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ عليه السّلام عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ جَعْدَةٍ، خِطَامُهَا لِيفٌ، وَهُوَ يُلَبِّي وَعَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ .
استحباب الزّيادة على مجرّد التّلبية.
فقوله صلّى الله عليه وسلّم: لَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللهِ بِالتَّكْبِيرِ : فيه دليل على أنّ الملبّي لا يقتصر على التّلبية فحسب، بل يذكر الله تعالى بالأذكار المشروعة، كالتّكبير، والتّهليل، وغير ذلك.
وفي المسألة قولان لأهل العلم:
1 القول الأوّل: تُكره الزّيادة.
وهو قول الإمام مالك رحمه الله - على ما حكاه ابن عبد البرّ -، واختيار الطّحاوي فقال:
" أجمع المسلمون جميعا على هذه التّلبية، غير أنّ قوما قالوا لا بأس أن يزيد فيها من الذّكر لله ما أحبّ، وخالفهم آخرون فقالوا: لا ينبغي أن يزاد على ما علّمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النّاس، وبه نأخذ " اهـ.
واستدلّوا على ذلك:
- بما رواه البخاري ومسلم عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يُهِلُّ مُلَبِّدًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَا يَزِيدُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ.
- وبما رواه الإمام أحمد أَنَّ سَعْدًا رضي الله عنه سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ ذَا الْمَعَارِجِ ! فَقَالَ: إِنَّهُ لَذُو الْمَعَارِجِ، وَلَكِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم لَا نَقُولُ ذَلِكَ.
قالوا: فهذا سعدٌ رضي الله عنه قد كره الزّيادة في التّلبية.
2 القول الثّاني: أنّه لا بأس بالزّيادة على ذلك.
وهو قول محمّد بن الحسن، والثّوري، والأوزاعيّ، وعزاه الحافظ إلى الجمهور، وعزا التّرمذي إلى الشّافعي أنّه قال: فإن زاد في التلبية شيئا من تعظيم الله فلا بأس، وأحبّ إلي أن يقتصر على تلبية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
واستدلّوا:
- بحديث الباب: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى عليه السّلام مُهْبِطًا لَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللهِ بِالتَّكْبِيرِ .
- بما رواه البخاري عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ يُلَبِّي الْمُلَبِّي لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ .
- ما رواه مسلم وأبو داود عن نافع مولى ابن عمر رضي الله عنه قال: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَزِيدُ فِيهَا: لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ.
- ما رواه أبو داود عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أنّ النَّاس كانوا يَزِيدُونَ: ذَا الْمَعَارِجِ وَنَحْوَهُ مِنْ الْكَلَامِ، وَالنَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم يَسْمَعُ فَلَا يَقُولُ لَهُمْ شَيْئًا.
- ما رواه ابن الجارود في "المنتقى" عن جابرٍ رضي الله عنه قال: " وَالنَّاسُ يَزِيدُونَ: ذَا المَعَارِجِ، ذَا الفَوَاضِلِ وَنَحْوِهِ وَالنَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم يَسْمَعُ فَلاَ يَقُولُ لَهُمْ شَيْئًا " [وصحّحه الألباني رحمه الله في "الإرواء" 4/209].
- ما رواه النّسائي وابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ فِي تَلْبِيَتِهِ: لَبَّيْكَ إِلَهَ الْحَقِّ لَبَّيْكَ .
لذلك قال الحافظ في " الفتح ":
" وهذا يدلّ على أنّ الاقتصار على التلبية المرفوعة أفضلُ لمداومته هو صلّى الله عليه وسلّم عليها، وأنّه لا بأس بالزّيادة، لكونه لم يردّ عليهم، وأقرّهم عليها وهو قول الجمهور، وبه صرّح أشهب ".
الحديث الخامس:
1127-وَعَنْهُ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
صَلَّى فِي مَسْجِدِ الخَيْفِ سَبْعُونَ نَبِيًّا مِنْهُمْ مُوسَى عليه السّلام، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ عَبَاءَتَانِ قَطَوَانِيَّتَانِ وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى بَعِيرٍ مِنْ إِبِلِ شَنُوءَةٍ مَخْطُومٍ بِخِطَامِ لِيفٍ لَهُ ضَفِيرَتَانِ .
البـاب الخــامــس: 5- التّرغيب في الإحرام والتلبية ورفع الصّوت بها .
معـنى الإحـرام:
الإحرام: هو نيّة أحد النّسكين: الحجّ أو العمرة، أو نيّتهما معا.
وهو أحد أركان الحجّ، لقوله صلّى الله عليه وسلّم: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى .
والنيّة محلّها القلب، فلا يُشرع التلفّظ بها، وإنّما يُهِلُّ بأحد النّسكين قائلا: لبّيك اللهمّ حجّة أو عمرة أو حجّة وعمرة.
* ومن شروط الإحرام أن يكون من الميقات المحدّد لأهل بلده، ومن تعدّى الميقات غيرَ محرِمٍ وجب عليه الرّجوع إليه ثمّ الإحرام منه.
إلاّ من دخل مكّة غير ناو الحجّ ولا العمرة، ثمّ بدا له أن يحجّ أو يعتمر فإحرامه من منزله.
فإذا أحرم حرُم عليه أشياء:
1- قلم الأظفار،
2- أخذ شيء من شعره،
3- لبس الرّجل المخيط المحيط بالجسد، ولبس المرأة النّقاب والقفّازين.
4- مسّ الطّيب.
5- الخِطبةُ وعقد النّكاح لنفسه، أو لغيره:
6- الأكل من الصّيد الّذي صِيد له.
7- والصّيد إلاّ صيد البحر.
8- الجماع ودواعيه.
9- الجدال:
:
|